برشونة & فرانك ريكارد
مصافحة اخيرة تسافر أحلام عشاق النادي الكتلاني في بحرها الشديد الاضطراب فالعاتيات تُقصيها والعاليات تُدنيها.. فأناس كانوا يأملون وينشدون وآخرون متشائمون.. وقبل موسمين أثنين، أثنين فقط.. كانت الغلالة الكتلانية حبلى بالألقاب إذ أن برشلونه الذي اقتلع بطولة الدوري الأسباني من فم الغريم المدريدي عاد ليخطف بطولة أندية أوربا البطلة الغائبة عن جزائن النادي منذ العام 90 فكان بذلك يصدر للعشاق بديع الأُمنيات وظن المخالف والمجانف أن النادي لا بد أن يلامس مجداً أكبر..!
ماذا فعل ريكارد..! في الموسم الماضي لم يكن الأنصار قد فارقوا زهو لحظات التتويج البديعة حتى وجدوا أنفسهم يهتفون في ضل كثير من الخذلان لأن النادي سقط في البطولات جميعاً وجميعها كورقة خريف مهترئة.. وبغض النظر عن سبب هذا الانحدار –الغير مبرر- أكان ريكارد أم اللاعبين فإن المهم بالنسبة لعشاق النادي أن تجد لحظات السقوط فارساً شهماً ومدرب عبقرياً يعيد للمجموعة هيبتها..
إلى ما قبل بداية الموسم الحالي كانت لحظات الانكسار تحمل في طياتها منفذ لتغيرات انتظرها الجمهور .. كان شغف المحبين يتجه بكل جوارحه نحو زاوية تغيير مدرب، أو ربما بعض اللاعبين –الغير فعالين- ولكن التغير جاء في زاوية أخرى وناحية غير متوقعه طالت الانقلاب على منهجية التفكير وليس على من أساءوا التدبير..! لأن الانقلاب طال نمطية وعقلية أداء جلبت مع التاريخ ولعل الاستفهامات القاسية تدور بمخيلة كل مشجع برشلوني وتصدح بأحقيتها بالقول: ما الذي فعله ريكارد في سبيل التغيير في الموسم الحالي.؟
طبعاً دخل المدرب الغمار (غمار البطولات) برصيد من النجوم واللاعبين يندر أن يحققه نادٍ آخر، ولست بحاجة لذكر الأسماء.. المهم أن كل المؤشرات كانت تتجه نحو فريق كتلاني يعيد للأذهان برشلونه أيام زمان.. أيام الزمن الجميل أداء فنتيجة فتتويج .. ولكن ما حدث ويحدث أضدا هذا كله والأسباب كثيرة وكبيرة ومنها أن نقول : أن في الاعتدال بجلب الأسماء وإحضار اللاعبين المؤثرين الذين تقتضيهم الحاجة ويُسد بهم فراغ أو خلل ففي ذلك كله تماسك وتمرس للقوة والامكانات والانسجام أما التدريبات المكشوفة واللهث وراء تكوين مجموعة لاعبين يذوبون هياماً وخجلاً بتسمية (فريق الأحلام) ففيه سرحان لهذه القوة وخيالات منفصلة للاعبين مألها الوحيد هو التوهان..!
وإلا لماذا أصبح تألق ميسي كابوساً يغزوا رأس زميله رونالدينيو ويسقطه في بحر من الأداء الباهت؟ وكيف أصبح قدوم (هنري) -الغير مبرر- الفاتك بنجومية أيتو والسبب في الحد من بريقه.. اما النتيجة أن اللاعبان الإثنان لم يقدما بعض ما ينتظره العشاق..!
أعرف أن كلمات من هذا النوع ستبدو عارية وصلده ومتحفية عند الكثيرين من عشاق هذا اللاعب أو ذاك وإلى كل أولائك أقول: أخبروني مثلاً: ما الذي أضافه قدوم هنري لبرشلونه؟ أجزم أن الإجابة ستكون من محبي اللاعب نفسه بتفضيلهم عودته للآرسنال ومواصلة خارقات اللامعقول هناك.. عن الباسه ثوب من الأداء الذي لا يليق به من قبل قائد الجوقة (فرانك ريكارد) الذي افتقد الزخم الهجومي الذي كان يؤمنه له أيتو في المواسم الماضية فأحضر هنري وأقحم الاثنان في ديناميكية أداء وتمركز غير مجدي فبدا اللاعبان فاقدان للحلول وهما من أتحف روعة ومتعة وأهدافاً..؟
فيما يخص ساحر النادي الكتلاني (رونالدينيو) فلم يقو على الصمود بغير ثوب (فريق اللاعب الواحد) وهو الثوب الذي لطالما أرتداه في النادي وأصاب من خلاله تألقاً ملفتاً وزخماً كبيراً.. أما الإجابة على سؤال يقول بطبيعة الحال.. لماذا أصبح (روني) باهتاً هكذا؟ فأظنها إجابة تجر معها تساؤلاً آخر وهو لماذا لا يبدع روني عندما يبدع (ميسي) بالذات؟! ولأن السؤال لا يرد بالسؤال فسأحيل الإجابة على استفهامات من هذا الطراز إلى عقلية وتفكير اللاعب الذي أسقطته في بحر عالم آخر لا علاقة له قطعاً بالوجه المشرق الآخر..!؟
بعد كل هذا الركام ومع الدخول بهذه الظروف الحرجة كانت البدائل بالنسبة لريكارد الاستعانة بالصغار (جوفاني وبويان) ولكن إجراء كهذا لم يكن يقود للمجد وأن قدم هذا الصغيران ما يعتبر مقبولاً قياساً للامكاناتهما وسنهما أما الجوهرة الأرجنتينية المغرية (ليونيل ميسي) فكان عليه أحياناً أن يتحمل ذلك العبئ وهو ما لم يقو على احتماله وتوشح هو الآخر بخذلان من نوعية آخرى,, نوعية كان مجبراً عليها وهي الإصابة اللعينة التي جعلته يبدو كمن يدخل امتحاناً فيسحب منه قلم وورقة الإجابة ويقال له عليك أن تجيب..!؟
وبعد عرض ما تيسر من غث خط المقدمة وسمينه.. لا يضني المتتبع أن يعرف أن خط منتصف البرسا أصبح فاقداً للحلول من الناحية الدفاعية عندما يتقهقر (انيستا) أما هجومياً فلم يكن ديكو بقدر لائق ومقبول فيما يكتفي أكزافي بتطبيق مهام هجومية وإهمال للدور الدفاعي..!
أما الدفاع فبلغ النشاز فيه مبلغاً كبيراً.. ففي حين رأى الكثير الإيجابية بجلب المدافع الرائع (ميليتو) إلا أنني أرى أن في هذا التعاقد ما يلغي دور لاعب آخر ويرسله إلى الشق الساكن من الذاكرة وهو المدافع الآخر (بويول).. من دون أن يفوتنا عرض مشكلة النادي الكبيرة (مؤخراً) مع مركز الظهير الأيمن والتي لا يمكن أن يتقبلها محب للنادي الكتلاني وهي تعنت ريكارد الواضح فأحياناً هو لا يقتنع يغُيب زامبروتا لعدم القناعة به وأحياناً أخرى تغيبه الإصابات فيوضع بويول بهذا المركز..؟ لا أدري كم هم أولائك الذين أثنوا على منطق كهذا..؟
انقلاب ريكارد.! وبرغم بعض ما ذُكر أو –برغمه كله- فأرى أن النشاز الكتلاني كان بسبب هؤلاء من جهة وبسبب تغيير منهجية أداء منحت النادي الكثير خاصة في آخر ثلاثين عاماً وخصوصاً بعد غزو الكرة الشاملة ووضعها لقواعد مسيرة الفريق..!
انقلاب ريكارد وقدومه بدا في أول الأمر كتغيير صحي ولازم على اعتباره أحد اللاعبين الهولنديين الذين عزفوا على أنغام الكرة الهولندية الشاملة.! كنا ننتظر من ريكارد التغيير الذي لا يمس إلا الظروف الوقتية والآنية للأشياء.. لكن تغيير ريكارد جاء باستبدال ديناميكية أداء يحسد عليها النادي.. بمعنى أن المدرب جاء لينقلب على أداء النادي ككل وليس على طريقة أداء لاعب أو أكثر وبالتالي ظهر النادي في بادئ الأمر متوجاً بالنياشين والنجومية ومبتعداً عن الأصل والأساس والمنبت.. هنا.. هلل من هلل وفي الطرف الآخر أحتضن الفم إشارات المعارضين بقولهم ما الذي تفعله يا ريكارد.؟
ربما يجب أن نستذكر أن سبب النجاح الأولي كان نتاجاً لواقعية المدرب التي منحها النادي في أول موسمين له عندما استقبل الجميع وبعد طول انتظار تتويجات الطرب الجوفاء التي ظللت الكثيرين بالإتيان بمنطق النادي الجديد والمتمثل بالواقعية –الغير متخاذلة- والأداء المتزن بين الجمالية وبين التمسك بمستلزمات الفوز الدفاعية.. نجح النادي في أول الأمر وتقبلت الجماهير الكيفية لأنها ضلت تراوح بين الأداء المقنع والانجاز القريب.. ولكن حتى أتت رياح التغيير في الموسمين التاليين لتلقي بضلالها العاتية على ثوابت نشأ عليها النادي وهي الجماعية المطعمة بنجومية تقتضيها المصلحة وعدم تزاحم المدرب على خيارات في مراكز معينه وإهمال الأتيان بلاعبين فعالين ومؤثرين لأنهم لا يلبوا الطابع الاستعراضي ونظرية ( show ) الذي فتكت بالفريق المدريدي في حقب بائدة..
لا أدري لماذا لا يفهم ريكارد أن قلة الخيارات أو كفايتها تمنح لذة أكبر ودافعية أكثر لدا اللاعبين، فيما تولد كثرة النجومية وتعدد الخيارات المتاحة حيرة يكون المدرب مجبر عليها فتكون معول للهدم وكبش الفداء أمام أي من الجزارين المهرة..!
ختاماً.. قد أكون طرقت أبواباً لم يقم عشاق النادي باقفال أي منها بعد.. وقد وصلت إلى تساؤل أنشد من خلاله الانتهاء وهو:هل يجب أن يبقى ريكارد في النادي.؟
أظن الإجابة على سؤال من هذا النوع يعدُ محلٌ لحلة تذهب بالألباب إلى مصاف عديد التساؤل والجواب،، لذلك ولكل ما قد قيل فأني سأرجئ الإجابة عنه إلى كتابة ومناسبة قادمة..
مناسبة لا يكون فيها ريكارد مدرباً
فإن انتظاره أصبح كانتظار حلول
الحلول لمن لم تبلغ أمواله النصاب أصلاً...!
تنتهي هنا الكلمات
وتُفصَل الملابسات
ويعذر من اصبح متعملقاً ومتأبطاً للأنحدار بعد الصعود
ريكارد
لا تخجل من ترديد مفردات الوداع
ولا تسنى أنك أنت من سقطت
سقطت سقوطاً من مرتفع لا يراضي ضحاياه بالتجربة المثمرة حذرا..
مصافحة أخيرة !
شكرا ريكارد
شكراً على أي شيء ..
على كل شيء. .!
ولستَ من نعده بوابة الهزيمة
او الجندي الجبان
كما ولن يقلب النادي صفحة سوداء..
ليفتح أخرى بيضاء مكانها
لا ..
فالعشاق ليسوا ناكرين للجميل ...! انتهى شكراا تحيااتي المرعب